Thursday, August 9, 2007

اللغة

اللغة:

مفهومها وخصائصها ووظائفها وتعليمها

بقلم: خير الرجال

(مدرس بالجامعة الإسلامية الحكومية "جوري سيوو" ميترو، لامفونج - إندونيسيا)

Dosen STAIN Jurai Siwo Metro Lampung Indonesia

أ - المقدمة

منذ وقت طويل عملت دول كثيرة على تعليم لغتها لغير الناطقين بها، ومن ثم نشر ثقافتها وحضارتها وتأكيد وجودها أمما حيّة تصنع الحياة وتقود ثقافة العالم وحضارته. ولقد أخذت الأمم في وقتنا الحاضر تتنافس في تعليم لغاتها ونشر ثقافاتها باعتبار أن اللغة امتداد لكيانها، ووجه معبر عن ثقافتها وحضارتها ومكانتها في العالم، مسلمة بأن اللغة من أهم المعايير التي تقاس بها فاعلية الأمم في مضمار التقدّم والحضارة والتأثير والتأثّر.

والدول العربية مثلا، عملت على تعليم لغتها لغير الناطقين بها تعليما مستمرّا حتى أيّامنا هذه، وكما نعلم أن اللغة العربية هي إحدى اللغات العالمية أعزها الإسلام، فكان انتشار الإسلام إيذانا بانتشارها لغة خطاب بين الناس، وبقيام حضارة عربية إسلامية عريضة. وهي - كذلك - لغة حديثة ولغة أدب وتأليف، وهلمّ جرّا. والحديث عن اللغة العربية نفسها يتطلب منّا أن نتحدث - كذلك – عن مفهوم اللغة وخصائصها ووظائفها وتعليمها.

ب- مفهوم اللغة

إن كلمة اللغة لها معنيان: معنى لغوي؛ وهو ما تسجله معاجم اللغة، وآخـر اصطلاحي؛ وهو ما يتقن عليه بين العلماء والجمهور أو بين العلماء فقط.[1]

أوّلا: المعنى اللغوي لكلمة اللغة:

1- لغا: اللَّغْو واللُّغَا: السقيط وما لا يعتد به من كلام وغيره، ولا يحصل منه على فائده ولا نفع. قال الله تعالى في كتابه الكريم: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم، ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم، والله غفور حليم)،[2] واللغو في الأيمان ما لا يعقد عليه القلب.

وقال الشافعي كما ورد في لغات العرب للدجني: «اللغو في لسان العرب، الكلام غير المعقود عليه».[3]

2- اللُّغَا: ما لا يعد من أولاد الإبل في دية أو غيرها لصغرها وشاة لَغْو ولَغا.

قال ذو الرمة: «يهلك وسطها المرئي لغوا كما ألغيت في الدية حوارا».[4]

3- الإسم والخطأ، قال الأصمعي كما ورد في "لغات العرب" للدجني «لَغَا يَلْغُو إذا حلف يمينًا بلا اعتقاد، وقيل معنى اللغو الإسم، ويقال لَغَوْتُ باليمين. وقيل: لَغَا في القول يَلْغُو ويَلْغَى لغًا ولَغِيَ بالكسر يَلْغِي ومَلْغَاةً أخطأ وقال باطلاً».[5]

قال رؤبة ونسبه ابن بري للعجاج:

ورُبَّ أسرابِ حَجَيْجٍ كُظَّمِ عن اللّغَا ورَفْثِ التَّكلُّمِ

وكلمة لاغية: فاحشة، كما قال الله تعالى في التنـزيل العزيز: (لا تسمع فيها لاغية)[6]، أي كلمة قبيحة أو فاحشة ونباح الكلب لَغْوٌ أيضا، وقال: قلنا للدليل أقم إليهم، فلا تُلْغَى لغيرهم كلاب.

4- إبطال الشيء: ألغيت الشيء: أبطلته وكان ابن عباس رضي الله عنهما يلغى طلاق المكره أي: يبطله وألغاه من العدد.[7]

5- اللغة: اللُّسُن وحَدَّها أنها أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم، وقيل: أصلها لُغَيٌّ أو لُغُوٌ، و الهاء عوض وجمعها لُغَى، والجمع لغات بالضم ولغون.[8]

6- اللغة: اسم ثلاثي على وزن فُعة، أصله لُغْوَة علـى وزن فُعْلة، فحذفت لامه، وهو من الفعل الثلاثي المتعدّي بحرف: لغا بكذا، أي تكلم؛ فاللغة هي التكلم، أي الإنساني .[9]

ثانيا: معنى اللغة اصطلاحا

وأما معنى اللغة اصطلاحا، وهناك معان، منها:

1- قال ابن جني[10]، إن اللغة: «أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم».

2- وقال ابن خلدون[11] في تعريف معنى اللغة: «اعلم أن اللغات كلها ملكات شبيهة بالصناعة إذ هي ملكات في اللسان للعبارة عن المعاني، وجودتها وقصورها بحسب تمام الملكة أو نقصانها، وليس ذلك بالنظر إلى المفردات، وإنما هو بالنظر إلى التراكيب».

3- وقال ابن حزم[12]، إن اللغة: «ألفاظ يعبر بها عن المسميات، وعن المعانى المراد إفهامها، ولكل أمة لغتهم».

4- وقال الجرجاني[13] في تعريف معنى اللغة: «ما يعبر به كل قوم عن أغراضهم».

5- وقال عبد الوهاب هاشم[14]، إن اللغة: «نظم متوافقة من الرموز الصوتية الإرادية العرفية لتلبية الاحتياجات الفردية والاجتماعية».

6- وقال العصيلي[15]، إن اللغة: «أصوات وألفاظ وتراكيب، تسير وفق نظام خاص بها، لها دلالات ومضامين معينة، يتصل بها الناس فيما بينهم، ويعبرون بها عن حاجاتهم الجسدية، وحالاتهم النفسية، ويستخدمونها في أنشطتهم الفكرية والعلمية، ويحفظون بها تاريخهم وتراثهم وعلومهم».

7- وقال عادل خلف[16] في تعريف معنى اللغة: «نظام إنساني من الرمز الصوتي متفق عليه – كل في بيئته – للتعبير عن المعنى والاتصال، ويتعدد بتعدد بيئات الاتفاق».

8- وقال إبراهيم أنيس[17] في تعريف معنى اللغة: «نظام عرفي لرموز صوتية يستغلها الناس في الاتصال بعضهم ببعض».

وإذا أدمجنا هذه التعريفات، فإننا نصل إلى التعريف المركب الآتي :

1- اللغة أصوات وألفاظ وتراكيب ملكات.

2- اللغة نظم متوافقة.

3- اللغة تدل على الرموز الصوتية الإرادية العرفية.

4- اللغة تتعدد بتعدد بيئات الاتفاق.

5- اللغة تستعمل في الاتصال الفردي والاجتماعي.

ولكن اللغة نفسها وحدة واحدة، كما قال رشدي أحمد طعيمة: [18]

«اللغة وحدة واحدة وكل متكامل، وما فنون اللغة إلاّ اللغة نفسها، وما تقسيمها إلى فروع إلاّ تلبية لمتطلبات تعليمية، تتعلق بخطة الدراسة وبعض الإجراءات التنظيمية التي لا تؤثرفي فلسفة النظرة إلى اللغة، إن فنون اللغة أربعة، هي: الاستماع والكلام والقراءة والكتابة، وبين كل منها علاقات معينة».

ج- خصائص اللغة العربية

اللغة العربية منظومة كبرى، لها أنظمة متعددة، فلها نظامها الصوتي الموزع توزيعا لا يتعارض فيه صوت مع صوت، ولها نظامها التشكيلي الذي لا يتعرض فيه موقع مع موفع، ولها نظامها الصرفي الذي لا تتعرض فيه صيغة مع صيغة، ولها نظامها النحوي الذي لا تتعرض فيه قاعدة مع قاعدة، ولها بعد ذلك نظام للمقاطع، ونظام للنبر، ونظام للتنغيم، فهي منظومة كبرى يؤدّي كل نظام منها وظيفته بالتعاون مع النظم الأخرى.[19]

اللغة العربية لها خصائص، منها :

1- تمايز اللغة صوتيا؛ إذا قيس اللسان العربي بمقاييس علم اللغات، فإنه يحقق لنا أن نعتبر اللغة العربية أوفى اللغات جميعها، وذلك تبعا لمقياس جهاز النطق في الإنسان، كما يقول عباس محمود العقاد:[20] «تستخدم هذا الجهاز الإنساني على أتمه وأحسنه، ولا تهمل وظيفة واحدة من وظائفه، كما يحدث ذلك في أكثر الأبجديات اللغوبة بين حرفين»، فقد اشتملت على جميع مخارج الأصوات التي اشتملت عليها أخواتها السامية، وزادت عليها بأصوات كثيرة لا وجود لها في واحدة منها، مثل: الثاء، والذال، والغين، والضاد، والخاء، والظاء.[21]

2- ارتباط الحروف والكلمات بالمعاني؛ اختلف الباحثون في هذه الظاهرة اللغوية، وهي ظاهرة ارتباط الحروف والكلمات بالمعاني، فمنهم من أيدها، ومنهم من رفضها، بيد أننا يمكن أن نشير إلى أن هناك ارتباطا بين الحروف ودلالة الكلمات في العربية، فقد ذكر علماء العرب من الأمثلة ما جعلهم يميلون إلى الاقتناع بوجود التناسب بين اللفظ ومدلوله في حالتي البسط والتركيب، وطوري النشأة والتوليد، وصورتي الذاتية والاكتساب، ومن هذه الأمثلة في حالة البسط رأوا الحرف الواحد – وهو جزء من الكلمات – يقع على صوت معين ثم يوحي بالمعنى المناسب، مثل: صعد وسعد، فجعلوا الصاد – لأنها أقوى – لما فيه أثر مشاهد يرى، فجعلوا السين لما لا يظهر ولا يشاهد حسا.[22] ومن ذلك: خضم وقضم، فالخضم لأكل الربط الطري كالبطيخ والقثاء، والقضم للصلب اليابس، نحو قضمت الدابة شعيرها.[23] ومثل النضح والنضخ، فالنضخ للماء ونحوه، والنضح للماء الضعيف، والنضخ أقوى من النضح، قال الله تعالى: (فيهما عينان نضاختان)[24] ، فجعلوا الحاء – لرقتها – للماء الضعيف، والخاء – لغلظها – لما هو أقوى منها. ولكن هذه الخاصية ليست شائعة في كل الحروف العربية.[25]

3- تميز اللغة العربية؛ الأصل في كل لغة أن يوضع فيها اللفظ الواحد لمعنى واحد، ولكن ظروفا تنشأ في اللغة تؤدّي إلى تعدد الألفاظ لمعنى واحد، أو تعدد المعانى للفظ واحد، والأول هو الترادف، والثاني هو الاشتقاق، والترادف هو: ألفاظ متعددة متحدة المعنى وقابلة للتبادل فيما بينما في أي سياق.[26]

وأسباب ظهور الترادف في اللغة العربية، هي:

1-) احتكاك لغة قريش باللهجات العربية الأخرى نقل إليها مفردات هذه اللهجات.

2-) جامعي المعجمات لم يأخذوا عن قريش وحدها، بل أخذوا عن قبائل أخرى كثيرة.

3-) إن جامعي المعجمات – لشدة حرصهم على تسجيل كل شيء – سجلوا كل المفردات.[27]

4- اللغة العربية لغة اشتقاقية؛ إذ هي عبارة عن توليد لبعض الألفاظ من بعض، والرجوع بها إلى أصل واحد، يحدد مادتها، ويوحي بمعناها المشترك الأصيل، مثلما يوحي بمعناها الخاص الجديد.[28]

5- تتميز اللغة العربية بأنها لغة إعراب؛ يعتبر الإعراب من خصائص اللغة العربية، ومراعاته تعد الفارق الوحيد بين المعاني المتكافئة في اللفظ، إذ أنه عن طريق الإعراب يمكن تمييز الكلام، وفي ذلك يقول ابن فارس: «من العلوم الجليلة التي خصت به العربية الإعراب الذي هو الفارق بين المعاني المتكافئة في اللفظ، وبه يعرف الخبر الذي هو أصل الكلام، ولولاه ما ميز فاعل من مفعول، ولا مضاف من منعوت، ولا تعجب من استفهام، ولا نعت من توكيد».[29]

6- اللغة العربية قادرة على مواجهة التغيرات التي تصيب المجتمع؛ فهي كوعاء يمكنها استيعاب كل هذه التغيرات، ففيها الخشونة والرقة، وفيها العذوبة والغلظة، وهي مرنة نستطيع أن تأخذ من اشتقاق الألفاظ ما يعطيها غني وثروة، ويمكننا أن تشتق لكل جديد من التغيرات ألفاظا تلائمة مثل: اختيارها (للتليفون) اسم الهاتف، و(للراديو) اسم المذياع، و(للتليفزيون) اسم التلفاز، فالجديد تخضعه لأوزانها واشتقاقاتها، وبهذا أمكنها ويمكنها أن تستوعب كل جديد، وتقدر على مواجهة التغيرات التي تصيب المجتمع العربي.[30]

د- وظائف اللغة

إن الإنسان يعيش عيشة جماعية مع مجموعة من الجنس البشري، تربطه بهم عوامل متعددة من النسب والجوار، واتحاد الغايات والآمال والآلام والعواطف، وغير هذا من الروابط الاجتماعية؛ وهو لذلك في أشد الحاجة إلى أن يتفاهم مع هذه المجموعة؛ لتستقيم حياته، وتنتظم أموره؛ ولا نستطيع أن نتصور مجموعة من الناس، يمكنها الاستغناء عن وسيلة للتفاهم بينها، ولا شك أن المجموعات البشرية قد جهدت – منذ العصور التاريخية الأولى - في سبيل الوصول إلى هذا التفاهم المنشود، ولعلها تدرجت في هذه السبـيل، فاتخذت من الإشارات والحركات والأصوات والرموز وسائل تعين على تحقيق هذا التفاهم بينها، ثم انتهت هذه الجهود المتصلة، باستخدام اللغة وسيلة لهذا التفاهم.

واللغة كما عرفنا، أنها أهم ما وصل إليه الإنسان من وسائل التفاهم؛ لما تمتاز به من اليسر والوضوح، ودقة الدلالة، ولأن كثيرا من العواطف والمعاني الوجدانية لا يمكن التعبير عنها إلاّ باللغة وغير ذلك من المزايا. وتكون هذه اللغة وظيفة كبرى في الحياة الفردية والاجتماعية.

1- وظيفة اللغة في حياة الفرد [31]

عرفنا أن اللغة هي وسيلة لاتصال الفرد بغيره، وعن طريق هذا الاتصال يدرك حاجاته ويحصل مآربه، كما أنها وسيلته في التعبير عن آلامه وآماله وعواطفه، وهذه الترجمة عما يخالج النفس من الميول والانفعالات، تعد من أظهر الفوارق بين الإنسان وغيره من الأحياء، واللغة تهيئ للفرد فرصا كثيرة متجددة للانتفاع بأوقات الفراغ، عن طريق القراءة، وزيادة الفهم للمجتمع الذي يزيد إنتاجه الفكري يوما بعد يوم، واللغة أداة الفرد حين يحاول إقناع غيره في مجالات المناقشة والمناظرة وتبادل الرأي في أمرحيوي.

وهي أداة – كذلك – حين يريد التأثير في جماعة؛ ليسلكوا سبيله، وينهجوا نهجه فيما يدعوهم إليه.

واللغة – كذلك – أداة التفكـير، والصلة بين اللغة والفكر صلة وثيقة محكمة؛ لأن الفكرة منذ إشراقها في الذهن تظل عامة شائعة، يعوزها الضـبط والتحديد، حتى تجد الوسيلة التي تعبر عنهان من لغة، أو رسم أو نموذج، ودور اللغة في هذا التعبير له المقام الأول، ولذا يقال: التفكيركلام نفسي، والكلام تفكير جهري.

ومن أهم ما يفيده الفرد من اللغة تغذية الجانب العاطفي عن طريق التذوق الجمالي للآثار الأدبية، ووظيفتنا في المدرسة لا تقف عند تمكين التلميذ من التعبير السليم، بل يجب أن نأخذه بسلامة الذوق وجمال التعبير؛ واللغة وسيلة الفرد للاستفادة من تجارب الجنس البشري وثمار القرائح والعقول، عن طريق القراءة والاستماع.

كما أن اللغة للإنسان أشبه بجهاز عصبي آخر، مع الجـهاز العصبي الذي منحه؛ إذ نستطيع باللغة أن ننبه إنسانا إلى خطر لا يراه فيتجنبه،كما يستطيع الفرد عن طريق القراءة أن يرى صورا ومناظر لا تتهيأ له رؤيتها، وباللغة يستمع الإنـسان بوسائل التسلية والترفية. فيبتهج ويضحك كأنه يرى ما يبهج ويضحك.

2- وظيفة اللغة في حياة المجتمع [32]

إن اللغة وسيلة اجتماعية، وأداة للتفاهم بين الأفراد والجماعات، وهي سلاح الفرد في مواجهة كثير من المواقف الحيوية، التي تتطلب الاستماع، أو الكلام، أو القراءة، أو الكتابة.[33] وهذه الفنون الأربعة أدوات هامة في إتمام عملية التفاهم من جميع نواحيها، ولا شك أن هذه الوظيفة من أهم الوظائف الاجتماعية للغة.

ومن الوظائف الاجتماعية للغة اتخاذها أداة للدعاية، فالخطب، والمقالات، والنشرات، والإذاعة، والمؤلفات،كلها وسائل لغوية لهذه الدعاية، التي أصبح لها شأن خطير في الحياة الإنسانية، وقد أثبتت الحروب الحديثة أن الدعاية سلاح تعتمد عليه الدولة المحاربة، وأنه قد يفوق أنواع الأسلحة الأخرى، في تحطيم قوي الأعداء.

واللغة – كذلك – من أهم وسائل الارتباط الروحي بين أفراد مجتمع معين، وقد تختلف مجموعات من الدول في البيئة، أو الجنس، أو الدين، أو في غير ذلك من الفوارق الاجتماعية والاقتصادية، ولكنها تظل متحدة متماسكة إذا كانت لغتها واحدة، وأظهر مثال لذلك الأمة العربية، وكذلك الإنجليز والأمريكيون؛ وبهذا نفسر حرص الدول الاستعمارية على نشر لغاتها في الأمم التي تستعمرها؛ لأنها تكتسب بهذا الغزو اللغوي قلوبا وميولا، ربما لا تحصل عليها بطريق العنف، واستعمال القوي المادية.

واللغة – أيضا – عامل هام في حفظ التراث الثقافي والحضاري، ونقله من جيل إلى جيل، والمشاركة في تنمية هذا التراث للأجيال المستقبلة.

وقد بدأ المفكرون ينظرون إلى اللغة على أنها من أهم العوامل التي يمكن استخدامها في تحقيق فكرة التقارب والتفاهم العالمي؛ وذلك بتبادل الآداب المختلفة، والدراسات الاجتماعية كالتاريخ والاجتماع والتربية الوطنية، وغير ذلك مما يوضح آمال الشعوب وطبائعها، وعواطفها، ومزاياها، وكل هذا يساعد على تقريب وجهات النظر بين الشعوب المختلفة.

هـ- تعليم اللغة

عرفنا أن التعليم أنه «مساعدة شخص ما على أن يتعلم كيف يؤدي شيئا ما، أو تقديم تعليمات، أو التوجيه في دراسة شيء ما، أو التزويد بالمعرفة، أو الدفع إلى الفهم والمعرفة».[34]

وإنه لا يعني مجرد توصيل معلومات أو معارف من معلم إلى متعلم، بل أنه عملية أكبر من ذلك، إذ تستهدف به الكشف عما لدى التلاميذ من استعدادات وقدرات، ومساعدتهم على استغلالها في أقصى طاقاتها حتى يعلموا أنفسهم بأنفسهم.

ويستلزم ذلك من منهج اللغة العربية الآتية:

1- تنمية إمكانات التعلم الذاتي عند التلاميذ، والتركيز على مهارات تحصيل المعرفة، وتحـويل موطن الاهتـمام من زيادة كم المعرفة إلى أسلوب تحصيلها.

2- النظر إلى شخصية التلميذ ككل تتكامل فيه الجـوانب المعرفية والوجـدانية والمـهارية، إن اللغة أداة تهذيب وتربية وتكوين قيم واتجاهات وميول بمثل ما هي أداة توصيل للمعلومات والمعارف، مما يساعد على التغيير الفعال فـي شخصـيات التلامـيذ، وتمكينهم من الاستـخدام الأمثل للغة في مختلف المجالات.[35]

إن تعليم اللغة العربية لغيرالناطقين بها يحتاج إلى دراسة حالة، ويتم تعلّمها بحسب الأسس الآتية:[36]

1- ما كان أوضح وأقرب إلى الوضوح، كان أقرب إلى التعلم، وأرسخ في أذهان المتعلمين. هذا يعني بالضرورة أن المتعلمين يلتقطون اللغة الثانية بمقدار جوانب وضوحها لديهم. وهذا يعني كذلك أن هؤلاء المتعلمين يتفاوتون من شخص إلى آخر، في تبين جوانب الوضوح؛ فما كان واضحا بالنسبة إلى أحدهم، قد لا يكون كذلك، بالنسبة إلى الآخرين بالضرورة. وهنا تتدخل متـغيرات أخرى كعامل السن، والاستعداد، والذكاء، وأثر البيـئة المحلية، وأثر الأسرة، إلى غير ذلك من العوامل التي تتحرك بصفتها متـغيرات متفاوتة التأثير.

2- كلما كان المتعلم أقدر على تفسير الظاهرة اللغوية، كان أقدر على تعلمها. وهذه مسألة نسبية دون شك. فالتفسير المقصود يتناسب مع مستوى المتعلم؛ مستواه العمري، ومستواه العقلي، ومستواه المهاري، وحتى أوضح ما أعنيه بمسألة تفسير الظاهرة. لو أن متعلما طلب إليه أن يفسر شيئا لم يفهمه، فلن يستطيع أن يفسره، فضلا عن أن ينطلق لسانه به. وهنا لا بد أن تلتحم اللغة مع الظاهرة إلتحاما تكامليا، يجمع بينهما وعي واحد، مؤداه أن اللغة هي الصورة التعبيرية عن الظاهرة، ومعنى ذلك أن اللغة يجب أن تكون تعبيرا عن الواقع الذي يراه المتعلم، بعيدة عن التجريد غير القابل للتفسير، بعيدة عن الربط العقلي المجرد الذى يحتاج إلى قدر كبير من التأمل والتفكير. وهذا لا يعني أن نضع الحواجز والعراقيل أمام المتعلمين، وبخاصة إذا كانوا صغارا. الأمر ليس كذلك ولكن المقصود أن نجعل اللغة في لسان المتعلمين قادرة على تفسير ما يرونه والتعبير عنه.

3- ما اتصل بالذاكرة القصيرة أكثر من غيره، كان أقرب منه إلى التعلم، المقصود بالذاكرة القصيرة: ما تخـتزنه ذاكرتنا من معلومات بصورة مؤقتة، لا حاجة بعدها إلى خزن هذه المعلومات.

4- يحدث التنامي في تعلم اللغة الثانية بصورة متدرّجة.

و- الاختتام

نكتفي دراستنا عن اللغة: مفهومها وخصائصها ووظائفها وتعليمها، ونستخلص من تلك الدراسة فيما يلي:

1- إن كلمة اللغة لها معنيان: معنى لغوي واصطلاحي.

2- اللغة العربية لها خصائص، منها :

أ - تمايز اللغة بالصوت.

ب- تمايز اللغة بارتباط الحروف والكلمات بالمعاني.

ج- تمايز اللغة بوجود الترادف والاشتقاق.

د‌- اللغة العربية لغة اشتقاقية.

ه‌- اللغة العربية لغة إعراب.

و‌- اللغة العربية قادرة على مواجهة التغيرات التي تصيب المجتمع.

3- وظيفتان في اللغة، هما وظيفة في حياة الفرد ووظيفة في حياة المجتمع.

4- منهج تعليم اللغة العربية:

أ - تنمية إمكانات التعلم الذاتي عند التلاميذ، والتركيز على مهارات تحصيل المعرفة، وتحـويل موطن الاهتـمام من زيادة كم المعرفة إلى أسلوب تحصيلها.

ب- النظر إلى شخصية التلميذ.

المراجع

ابن منظور، لسان العرب، لبنان : طبعة يوسف خياط وطبعة دار صادر، 1955.

ابن خلدون، مقدمه، ج 1، ط 4، بيروت – لبنان : دار الكتب العلمية، 1978.

ابن حزم، الإحكام في أصول الأحكام، ج 1، القاهرة : دار الفكر، 1978.

إبراهيم أنيس، اللغة بين القومية والعالمية، القاهرة: دار المعارف، 1970.

أبو الفتح عثمان بن جني، الخصائص، ج 1، بيروت – لبنان : دار الكتب العربي، 1952.

أحمد فؤاد محمود عليان، المهارات اللغوية؛ ماهيتها وطرائق تدريسها، الرياض : دار المسلم، 1413 هـ.

أحمد ابن فارس، الصاحبي في فقه اللغة وسنن العربية في كلامها، القاهرة : المكتبة السلفية، 1328هـ.

تمام حسان، مناهج البحث في اللغة، القاهرة : الأنجلو المصرية، 1955.

دوجلاس براون، أسس تعلم اللغة وتعليمها، بيروت : دار النهضة العربية،1994

رمضان عبد التواب، فصول في فقه العربية، القاهرة : مكتبة الخانجي، 1980.

سمير شريف استيتية، اللسانيات : المجال والوظيفة والمنهج، الأردن : عالم الكتب الحديث، 2005.

السيد الشريف الجرجاني، التعريفات، تونس، 1971.

صبحي الصالح، في فقه اللغة، ط 6، بيروت : دار العلم للملايين، 1976.

عادل خلف، اللغة والبحث اللغوي، بيروت : مكتبة الآداب، 1994.

عبد الوهاب هاشم، محاضرات في تدريس اللغة العربية، أسيوط: مطبعة سمكة، 1989.

عبد العزيز بن إبراهيم العصيلي، أساسيات تعليم اللغة العربية للناطقين بلغات أخرى، مكّة المكرّمة: جامعة أم القرى، 1423هـ.

عباس محمود العقاد، أشتات مجتمعات في اللغة والأدب، ط 5، القاهرة : دار المعارف، 1982.

عبد العليم إبراهيم، الموجه الفني لمدرسى اللغة العربية، مصر : دارالمعارف، 1978.

علي عبد الواحد وافي، فقه اللغة، ط 8، القاهرة : دار نهضة مصر، د.ت .

فتحي عبد الفتاح الدجني، لغات العرب وأثرها في التوجيه النحوي، الكويت : مكتبة الفلاح، 1981.

محمود رشدي خاطر وآخرون، تعليم اللغة العربية، القاهرة : سجل العرب، 1985.

ناصرعبد الله الغالي وعبد الحميد عبد الله، أسس إعداد الكتب التعليمية لغير الناطقين بالعربية، القاهرة : دار الاعتصام، 1991.



[1] فتحي عبد الفتاح الدجني، لغات العرب وأثرها في التوجيه النحوي، الكويت : مكتبة الفلاح، 1981، ص 13

[2] سورة البقرة : 255

[3] فتحي عبد الفتاح الدجني، المرجع السابق، ص 13

[4] ابن منظور، لسان العرب، لبنان : طبعة يوسف خياط وطبعة دار صادر، 1955، ص 568

[5] فتحي عبد الفتاح الدجني، المرجع السابق، ص 14

[6] سورة الغاشية : 11

[7] فتحي عبد الفتاح الدجني، المرجع السابق، ص 14

[8] نفس المرجع

[9] عادل خلف، اللغة والبحث اللغوي، بيروت : مكتبة الآداب، 1994، ص 9.

[10] أبو الفتح عثمان بن جني، الخصائص، ج 1، بيروت – لبنان : دار الكتب العربي، 1952، ص 33

[11] ابن خلدون، مقدمه، ج 1، ط 4، بيروت – لبنان : دار الكتب العلمية، 1978، ص 554.

[12] ابن حزم، الإحكام في أصول الأحكام، ج 1، القاهرة : دار الفكر، 1978، ص 52.

[13] السيد الشريف الجرجاني، التعريفات، تونس، 1971، ص 102.

[14] عبد الوهاب هاشم، محاضرات في تدريس اللغة العربية، أسيوط : مطبعة سمكة، 1989، ص 2.

[15] عبد العزيز بن إبراهيم العصيلي، أساسيات تعليم اللغة العربية للناطقين بلغات أخرى، مكّة المكرّمة: جامعة أم القرى، 1423هـ، ص 18-19.

[16] عادل خلف، المرجع السابق، ص 12.

[17] إبراهيم أنيس، اللغة بين القومية والعالمية، القاهرة: دار المعارف، 1970، ص 11.

[18]رشدي أحمد طعيمة، مناهج تدريس اللغة العربية بالتعليم الأساسي، القاهرة : دار الفكر العربي ،1998، ص 28

[19] تمام حسان، مناهج البحث في اللغة، القاهرة : الأنجلو المصرية، 1955، ص 58.

[20] عباس محمود العقاد، أشتات مجتمعات في اللغة والأدب، ط 5، القاهرة : دار المعارف، 1982، ص 11.

[21] علي عبد الواحد وافي، فقه اللغة، ط 8، القاهرة : دار نهضة مصر، د.ت، ص 164- 168 .

[22] صبحي الصالح، في فقه اللغة، ط 6، بيروت : دار العلم للملايين، 1976، ص 142- 143.

[23] نفس المرجع، ص 143- 144.

[24] سورة الرحمن، آية: 66.

[25] محمود رشدي خاطر وآخرون، تعليم اللغة العربية، القاهرة : سجل العرب، 1985، ص 14.

[26] رمضان عبد التواب، فصول في فقه العربية، القاهرة : مكتبة الخانجي، 1980، ص 309 - 311.

[27] علي عبد الواحد وافي، المرجع السابق، ص 172 – 174.

[28] أحمد فؤاد محمود عليان، المهارات اللغوية؛ ماهيتها وطرائق تدريسها، الرياض : دار المسلم، 1413 هـ، ص 37.

[29] أحمد ابن فارس، الصاحبي في فقه اللغة وسنن العربية في كلامها، القاهرة : المكتبة السلفية، 1328هـ، ص 42.

[30] أحمد فؤاد محمود عليان، المرجع السابق، ص 37.

[31] عبد العليم إبراهيم، الموجه الفني لمدرسى اللغة العربية، مصر : دارالمعارف، 1978، ص 43.

[32] نفس المرجع، ص 44.

[33] ناصرعبد الله الغالي وعبد الحميد عبد الله، أسس إعداد الكتب التعليمية لغير الناطقين بالعربية، القاهرة : دار الاعتصام، 1991، ص 51

[34] دوجلاس براون، أسس تعلم اللغة وتعليمها، بيروت : دار النهضة العربية، 1994، ص 25

[35] نفس المرجع

[36] سمير شريف استيتية، اللسانيات : المجال والوظيفة والمنهج، الأردن : عالم الكتب الحديث، 2005، ص 167

No comments: